تدبير اثار زلزال الحوز ومدونة الأسرة.. يتصدران رهانات الدخول البرلماني

0

تكتنف الدخول البرلماني برسم السنة التشريعية الثالثة من الولاية البرلمانية الحالية، رهانات وتحديات عديدة على رأسها الورش الأولوي المتعلق بتدبير مخلفات زلزال الحوز، وملف إصلاح مدونة الأسرة الذي أعطته الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى رئيس الحكومة زخما أقوى، فضلا عن ورش إصلاح منظومة العدالة واستكمال مسار إرساء أسس “الدولة الاجتماعية”.

والأكيد أن حجم التداعيات الناجمة عن الزلزال الذي ضرب عدة جهات من المملكة مخلفا خسائر بشرية ومادية كبيرة، يسائل جدية ونجاعة أداء المؤسسة التشريعية ويضعها في قلب التعبئة الشاملة لمختلف السلطات، تنفيذا للتعليمات والتوجيهات الملكية السامية، ولاسيما من خلال المواكبة والمساهمة في التنزيل الناجع والسريع لبرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة وغيره من الأوراش ذات الصلة.

ويجدر التنويه في هذا السياق إلى أن البرلمان استبق موعد افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة المحدد دستوريا في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر وبادر، وعيا منه بالطابع الاستعجالي لبرنامج إعادة البناء والتأهيل، بعقد اجتماع مشترك للجنتي المالية بمجلسي النواب والمستشارين قدم خلاله الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، عرضا حول هذا البرنامج ، مستعرضا التدابير والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة آثار الزلزال الذي ضرب مؤخرا عددا من مناطق المملكة.

كما صادقت لجنتا المالية بمجلسي البرلمان في اجتماعين منفصلين على مشروع مرسوم بقانون رقم 2.23.870 بإحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير، والذي يهدف إلى إحداث مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي ي عهد إليها بالإشراف على تنفيذ برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحو وتدبير مشاريعه.

وإلى جانب الظرف المستجد المرتبط بكارثة الزلزال والذي ستتعاطى معه مكونات البرلمان من منطلق الصلاحيات والمهام المنوطة بالمؤسسة التشريعية في مجالات التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم ومناقشة السياسيات العمومية، فإن دورة أكتوبر تحفل بأجندة تشريعية عنوانها الأبرز مشروع قانون المالية الذي من المرجح أن يخضع للتحيين في ضوء الأعباء التمويلية التي ستتحملها الموزانة العامة جراء كارثة الزلزال، إلى جانب ورش إصلاح منظومة العدالة، وإخراج من ما تبقى من نصوص حاسمة في إرساء أسس “الدولة الاجتماعية” التي ما فتئت الأغلبية الحكومية تؤكد أنها خيار يعبر عن إرادة سياسية راسخة لديها.

وفي قراءته لسياقات الدخول البرلماني ، يقول عبد الحافظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن دورة أكتوبر التشريعية تتميز ببروز تحديات مستجدة (تداعيات زلزال الحوز)، وتواصل أخرى ذات طابع خارجي، أبرزها استمرار تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية سواء على مستوى التزود بالمواد الفلاحية الأساسية، خاصة القمح في ظل سنوات فلاحية ضعيفة الإنتاج، وتأثر السوق الدولية بالمتغيرات المناخية، واستمرار تأثر السوق الطاقية الدولية بقرارات الدول المنتجة للنفط والطاقة من خلال التحكم في الانتاج، علاوة على مواصلة تنفيذ المشاريع الهيكلية كمشروع الحماية الاجتماعية والأمن المائي

واعتبر أدمينو في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن الالتزامات التي فرضتها معالجة تداعيات زلزال الحوز ستلقي بثقلها على الميزانية العامة للدولة، مرجحا أن يكون مشروع قانون المالية لهذه السنة مغايرا لسابقيه.

وعلى المستوى التشريعي، أشار الأستاذ الجامعي إلى وجود انتظارات تتعلق بإخراج العديد من مشاريع القوانين كالقانون الجنائي “وما قد يطرحه من اختلاف في وجهات النظر بين مكونات الأغلبية نفسها”، إضافة إلى إخراج القانون التنظيمي للإضراب وقانون النقابات “في ظل النقاش القائم بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، خاصة ما يرتبط بتنفيذ التزامات الحوار الاجتماعي”.

كما تطرق إلى انتظارات المعارضة فيما يتعلق بالتفاعل الإيجابي للحكومة مع المبادرات التشريعية والرقابية التي تقدمها، وخاصة مقترحات القوانين، مشيرا إلى أن مطلب تقوية تأثير البرلمان على الحكومة عبر الآليات الرقابية وتقييم السياسات العمومية لازال حاضرا في النقاش البرلماني، لاسيما مع وجود توجه نحو قياس مؤشرات قدرة البرلمان على القيام بوظائفه التشريعية والرقابية وتقييم السياسات العمومية والوظيفة الدبلوماسية.

تجويد الأداء التشريعي والرقابي للبرلمان مطلب أساسي لكسب التحديات المطروحة

يدشن الدخول البرلماني الحالي السنة التشريعية الثالثة من عمر الولاية الحكومية الحالية، وهي محطة ستتميز بتقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة وفق ما ينص عليه الدستور.

ويطرح هذا المعطى لاسيما في الظرفية الخاصة التي يجتازها المغرب جراء كارثة الزلزال والاستحقاقات التي تنتظر البلد في السنوات القليلة المقبلة، مطلب تجويد الأداء التشريعي والرقابي لممثلي الأمة وبالتالي الانتقال إلى السرعة القصوى في تنزيل الإصلاحات التي تعهدت بها الأغلبية الحكومية في برنامجها الذي يعد بمثابة ميثاق يربطها بالناخبين

وتبرز في هذا الجانب أهمية تمثل وتفعيل التوجيهات الملكية السامية الواردة في الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش الأخير، والذي أكد فيه جلالته بشكل خاص على الحاجة إلى “الجدية” بوصفها مفهوما متكاملا، يشمل مجموعة من المبادئ العملية والقيم الإنسانية، للارتقاء بالمسار التنموي للبلد إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى التي يستحقها المغاربة”.

وفي هذا الصدد ، أبرز أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش، عتيق السعيد، أن الدخول البرلماني يأتي في سياق يشهد فيه المغرب استكمال سلسلة من الأوراش التنموية ضمن مرحلة تقويمية تدعم تعزيز المجالين الاجتماعي والاقتصادي.

وأكد الأستاذ الجامعي أن المؤسسة التشريعية تقف اليوم أمام رهان كبير يستلزم أجرأة وتنفيذ مضامين الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش “الذي أكد فيه جلالة الملك على اعتماد الجدية كمنهج عمل فعال وناجع لجميع آليات تدبير الشأن العام باعتبارها الإطار المرجعي المحفز والضامن لتحقيق مزيد من المنجزات والمكاسب الوطنية والدولية”.

وأشار إلى أن الدخول البرلماني يستلزم إعداد الآليات القانونية لتفعيل رؤية النموذج التنموي الجديد “الذي يشكل مدخلا من مداخل التحول الكلي في البناء التنموي بالمغرب، بالإضافة إلى استكمال سلسلة من الأوراش، وفي مقدمتها ورش الجهوية المتقدمة وإخراج السجل الاجتماعي الموحد، وغيرها من المشاريع ذات الرهان الاجتماعي”.

وسجل عتيق السعيد أن تجويد الأداء البرلماني وفعاليته في المرحلة المقبلة رهين بتجاوز إشكالية غياب البرلمانيين عن الجلسات العامة وأعمال اللجان ومختلف الأنشطة، داعيا إلى التفعيل الصارم والجاد للنظام الداخلي لمجلس النواب من خلال قواعد السلوك والأخلاقيات البرلمانية التي تنص على وجوب التقيد التام للنواب بالأحكام والمقتضيات المنصوص عليها في الدستور والنظام الداخلي، ومن ضمنها تلك المتعلقة بالحضور.

اترك رد