أركان المغرب: لمحات عمق تاريخي قبل إعلان العاشر من ماي..

0

*حسن إدوعزيز

“وبالسوس زيت الهرجان، وشجره يشبه الكمثرى، غير أنه لا يفوت اليد، وأغصانه نابتة من أصله، لا ساق له، وهي شوكاء’’، هكذا وصف أبو عبيد الله البكري شجر الأركان بسوس منذ القرن الخامس الهجري على الأقل.. قبل أن يضيف أبو عبد الله محمد الزهري (ق 6 هـ) بأن “من عجائب هذا الصقع (السوس الأقصى) زيت أرجان، وهو اسم بلغة المصامدة، يقع على شجرة لا بالصغار ولا بالكبار (…) على قدر المشمش في صفته ولونه (…) كأنه النجوم في ظلام الليل، غير أنه لا لحم له ولا طيب، وإنما هي جلود رقاق على أنوية غلاظ’’. وهو ما عضده أبو عبد الله محمد الإدريسي (ق 6 هـ) بقوله: “وبجبل درن شجر كبير يسمى بالبربرية أرقان (…) يشبه شجر الإجاص أغصانا وفروعا وأوراقا (…) شبيه بثمر العيون في أول نباته، قشرته العليا رقيقة خضراء، فإذا تناهت اصفرت، لكنها في نهاية العفوصة والحموضة، وداخله نوى شبيه بالزيتونة الممدودة الرأس، صلب ولا يطيب طعم هذا الثمر البثة’’.

ولعله نفس ما ذهب إليه ابن البيطار (ق 7 هـ) بأنه “شجر صغير البلوط، أصفر اللون، من أحد جوانبه ثقب غير نافذ إلى داخله، وداخله أشبه بحب الصنوبر (…) لا يكون إلا بالمغرب الأقصى (…) وهو كثير، يمنع شوكه من الوصول إلى جني ثماره’’ .. ليتناقل الإخباريون نفس هذه الأوصاف حول هذه الشجرة العجيبة إلى حدود القرن العاشر الهجري. حيث خلص الوزان (الحسن بن محمد) وفرة هذه الأشجار الشائكة ببلاد حاحا.. “تثمر حبا كبيرا يشبه الزيتون (…) ويسمى عندهم بالهرجان’’… وهو “ثمر بحجم البرقوق الغليظ، وأحيانا أكبر، وليس له سوى نواة مغطاة بقشرة، تلمع في الليل كالنجم’’، حسب ما أضافه “كرفاخال” (لويس دل مارمول).

والملاحظ أن هؤلاء المؤرخين الإخباريين لم يتوقفوا عند حدود وصف هذه الشجرة المعمرة، بل تطرقوا، عبر إشاراتهم الغنية، إلى دورها الهام في حياة المغاربة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتجميلي.. وفي كافة الميادين. فقد ظلت ركنا أساسيا من أركان تجارة القوافل العابرة لجنوب المغرب نحو شماله، “يجلب (زيتها) من السوس الأقصى إلى أغمات ومراكش’’ (أبو عبد الله محمد الزهري)، وهدية رفيعة “يبعث منه العمال إلى دار الملك في هداياهم فيطرفون’’ (ولي الدين عبد الرحمان بن خلدون)، وزيتا أساسيا “يتجر به المصامدة من أهل (جبل الحديد)، إضافة إلى العسل والشمع والماعز’’ (مارمول كرفاخال). كما ظلت غذاء ضروريا “يقتات به أهل درن مع دقيق الشعير ولحم الماعز” (مارمول)… وخاصة في “أطباق طعام خشن تدعى العصيدة.. تُصب في طبق مجوف، وتُجعل في وسطه حفرة تُملأ بزيت الهرجان” (الإدريسي).. ناهيك عن أدوارها الطبية والاستشفائية.. فهي علاج شاف “يسخن الكلى ويدر البول’’(البكري)، و“من أفضل الأدهان وأرفعها’’ (ابن البيطار)، و“زيت شريف طيب اللون والرائحة والطعم’’ (ابن خلدون).. دون أن ننسى فوائدها التجميلية عند نساء المصامدة اللواتي حافظن على استعمال زيوتها إلى اليوم.. “يدهن به رؤوسهن على المشط، فتحسن شعورهن بذلك وتطول ولا تتكسر، ويمسك الشعر على لونه من السواد’’ (الإدريسي)…

إنها لمحة مختزلة من تاريخ شجرة الأركان بالمغرب، قبل أن تؤكد “مادونا” و”كيم كرداشيان” و”كاثرين جونز” أن زيتها العجيب هو سر جمالهن.. وقبل أن يتهافت عليه الباحثون عن الجمال الطبيعي بعيدا عن الكريمات المصنعة داخل المختبرات.. وقبل إجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار المغرب بإعلان العاشر من ماي من كل سنة، يوما عالميا لشجرة الأركان…

فكل عام والمغاربة وتراثهم بألف خير..
*أستاذ

اترك رد